قرأت مجموعة من المقولات الشهيرة لحكيم الهند "غاندي"، وكانت في مجملها تؤكد ضرورة تحقيق الانسجام بين القول والفعل. ومن أهمها قوله: "السعادة أن تكون أفكارك، وأفعالك، وأقوالك، في غاية الانسجام". أي أن "غاندي" يطرح منظومة واضحة لتحقيق السعادة؛ ألا وهي منظومة التوافق بين القيم والأفعال.
ومما يروى عن "غاندي" أنه حينما جاءته أم مع ابنها، من قرية هندية نائية، طالبة منه أن يأمر ابنها بالتوقف عن أكل السكر، نظر "غاندي" إليها وإلى طفلها وقال: "عودي إليَّ ومعك ابنك بعد أسبوعين!" أصيبت الأم بالخيبة. ولكنها عادت بعد أسبوعين لتكرر نفس الطلب. التفت "غاندي" إلى الطفل وقال: "توقف عن أكل السكر، فإنه يضر بصحتك يا بني." ونظرًا إلى ما يُكنُّه الطفل من حب وتقدير لزعيمه، وافق على الفور. نظرت الأم إلى "غاندي" وقالت: "لماذا لم تطلب منه ذلك قبل أسبوعين؟" فقال: "كان يجب أن أتوقف أنا أولاً عن أكل السكر، قبل أن أطلب ذلك من الصبي." فهذا الزعيم العظيم يدرك تمامًا معنى الانسجام بين الأقوال والأفعال. ولهذا كان تأثيره عظيمًا فيمن حوله.
معظمنا يجد صعوبة كبيرة في تحقيق هذا الانسجام. وأساس هذه الصعوبة أن معظم الناس لا يعرفون كيف يبنون منظومة التوافق بين القيم والأفعال. يبدأ الانسجام ببناء المنظومة القيمية. فحينما نتبنى قيمًا لا نؤمن بها حقًا، أو نتبنى قيم المجتمع في سواده الأعظم، دون إدراك حقيقي لمعانيها ومراميها، فقد يقودنا ذلك إلى ازدواجية وتناقض بين الفعل والقول. ويمكننا في هذا السياق أن نقترح ما يلي:
أولاً: غص في أعماقك لتكتشف قيمك الفريدة التي تخصك دون سواك. هذه القيم ليست قيمًا مستوردة ولا تعرف أساسها، أو ربما أنك لا تؤمن بها ولكن العرف والضغط الاجتماعي ألزمك بها. قيمك الحقيقية تعكس تفردك وفهمك لذاتك. هي قيمك النابعة منك ومن نظرتك للحياة، وما تريد أن تقدمه لنفسك، وللآخر، وللعالم أجمع.
ثانيًا: يطالبك "روبن شارما" بأن تجيب عن السؤال التالي: "إذا بلغت السبعين من عمري وكنت أملك مالاً كثيرًا، فماذا سأتمنى لو أنني فعلت في حياتي وقبل مماتي؟ ما القيم التي وددت أن أعيش على ضوئها؟" من خلال هذه الأسئلة العميقة، والتي ستتخيلها وتستجيب لها في شيخوختك، ستدرك أن الصدق في وضع القيم عنصر أساسي للحياة السعيدة، لأنه لن يسمح لك أبدًا بأن تخدع نفسك.
ثالثًا: حدد قيمك الكبرى فيما لا يزيد عن خمس قيم. يجب أن تكون هذه القيم نابعة منك، وهي دستورك ومصباحك الذي ينير لك الطريق في دهاليز وأنفاق وكهوف هذا العالم المتشابك. اكتب قيمك الخمس وعلقها كي تراها أمامك كل يوم، فتتذكر معانيها وتعرف قيمتها.
يبدأ التوافق بين القيم والسلوك، وبين الأقوال والأفعال، ببناء منظومة قيم صحية وسليمة. فإيمانك بقيمة الفضيلة مثلاً، سيبعدك تمامًا عن أية ممارسات يمكن أن توصف بأنها من أعمال "الرذيلة". وإن حدث وارتكبت خطأ فاحشًا لا سمح الله، فسوف تتداركه سريعًا، بأن تعترف به، وتعتذر ممن وقع عليه الخطأ، وتغيِّره.
"كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم." مقولة أخرى عميقة تؤكد أن القول لا قيمة له بتاتًا إن لم يتوافق مع الفعل المستند إلى القيم. تخيل، مثلاً، لو أن كلاً منا لا يقول إلا ما يفعل، ولا يفعل إلا ما ينسجم مع قيمه وما يؤمن به. فكيف سنشعر كأفراد وما تأثير ذلك على مجتمعنا الذي نعيش له وفيه؟ فلنكن الفعل لا رد الفعل. ولنصدق قبل أن نطلب الصدق. لنكن أمناء قبل أن نتظاهر بالأمانة، ولنكن شرفاء قبل أن ندعي الشرف، ولنكن شفافين قبل أن نطالب بالشفافية؛ وهكذا.. إلى أن نصنع التغيير.